إن الغاية القصوى من تأسيس الدواة ليست السيادة أو إرهاب الناس أو جعلهم يقعون تحت نير الآخرين، بل هي تحرير الفرد من الخوف بحيث يعيش كل فرد في أمان بقدر الإمكان، أي يحتفظ بالقدر المستطاع بحقه الطبيعي في الحياة وفي العمل دون إلحاق الضرر بالغير. واكرر القول بان الغاية من تأسيس الدولة ليس تحويل الموجودات العاقلة إلى حيوانات و آلات صماء، بل المقصود منها هو إتاحة الفرصة لأبدانهم وأذهانهم كي تقوم بوظائفها كاملة في أمان تام ، بحيث يتسنى لهم أن يستخدموا عقولهم استخداما حرا دون إشهار لأسلحة الحقد أو الغضب أو الخداع ، وبحيث يتعاملون معا دون ظلم أو إجحاف ، فالحرية إذن هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة . إن الشرط الوحيد الضروري لقيام الدولة هو تنبع سلطة إصدار القرار من الجماعة أو من بعض الأفراد أو من فرد واحد. ولما كانت أحكام الناس ، إذا ما تركوا أحرارا ، تختلف فيما بينها كل الاختلاف ، ولما كان كل فرد يظن انه وحده الذي يعلم كل شيء ، ونظرا إلى أن من المستحيل أن يفكر الناس كلهم ويعبروا عن أفكارهم بطريقة واحدة ، فإنهم ما كانوا ليعيشوا في سلام لو لم يتخل كل فرد عن حقه في أن يسلك وفقا لما يمليه عليه قراره الشخصي . وعلى ذلك فان الحق الوحيد الذي تخلى عنه الفرد هو حقه في أن يسلك كما يشاء وليس حقه في التفكير والحكم . وعلى ذلك فان كل من يسلك ضد مشيئة السلطة العليا يلحق بها الضرر . ولكن المرء يستطيع أن يفكر وان يصدر حكمه ، ومن يستطيع الكلام أيضا ، بحرية تامة ، بشرط إلا يتعدى حدود الكلام أو الدعوة ، وان يعتمد في ذلك على العقل وحده ، لا على الخداع أو الغضب أو الحقد ، ودون أن يكون في نيته تغيير أي شيء في الدولة بمحض إرادته .